الخميس، 15 سبتمبر 2016

#تأملات.. حينَ أكونُ ظِلّي !

..
أتخيل لو أني كنتُ ظِلّي !!؟
هكذا بكل بساطة !
مُتَشكّلة مع كل سطحٍ أقعُ عليه !
متناغمة مع كل الأشياء !!
داخل هذا الواقع لكنني لست منه !
نتاجٌ لكل نور ! لكل ضياء ، لكل ضوء ، لكل بصيص ..
لا أتخفّى من أحد ! و لا أحد يتخفّى مني ! لست واضحة و لست غامضة ! كما أني لا أكون بالتفصيل المتعب بل بالكلية التامة !! الكلية المُريحة جدًا و المتشكلة مع كل شيء..
بلا ثقل شعور و بلا ضجيج أفكار !
متحررة من قيود الجسد !
ممتزجة مع الظلال حولي .. لا تمنعني حدود ، لا تحكمني انقسامات و لا يمكن لشيء أن يحول دوني و دون الظلال !
الظلال التي هي منّي و أنا منها ،
أشترك معها بكل الصفات ، 
أقتسم معها الحياة !
بتمامِ التناغم و بسلاسةِ الامتزاج !
نُشكّل بامتزاجنا تحفةً فنية !
أو لوحةً تشكيلية ،
أو طبيعةً ربانيةً لا يتدخل في كينونتها أحد !
نكبر معًا حين يقترب الضوء ،
و نصغر معًا حين يبتعد الضوء ،
و نختفي معًا حين يختفي الضوء ..
حين أكون ظِلّي ،
لن يبالي بتضاريسي البشر !
لن يشعر بوجودي الظلام !
 يتعامل معي الجميع كحقيقة لا كتضاريس و حدود و نطاقات و اختلافات ! 
هذه الحقيقة وحدها هي ما تهمني ، 
حتى و إن كانت لا تهمهم جميعهم !
فظِلّي هو الشيء الوحيد مني الذي يعامل كما هو ،
كما هي حقيقته ، دون أن يفرض عليه المجتمع أي فروض و لا سنن و لا مستحبات ... و دون أن يطلق عليه صفات أو مسميات ، و دون أن يسجل له شهادة ميلادٍ و وفاة ، ظِلّي هو الشيء الوحيد الحقيقي مني .. فيا ليتني كنتُ ظِلّي .

الأربعاء، 11 مايو 2016

#تأملات .. الحُب .


مَدخل 💭 :
( بينَ الحُب و "وهم الحُب" شعره ، حين تنقطع يبين الفرق ..
الحُب أصلٌ ثابتٌ فرعه في السماء ، و وهم الحُب أضغاث أحلامٍ و افتراء .. ! )

 ما أكثر المصابين بـ"وهم الحُب" و ما أقل أهل الحُب السماويّ .. الحب ظُلِم كثيراً ، وشُوّهت صورته كثيراً ، ولُوّن بألوان باهتة لاتليق ببياضه الناصع ..
ولستُ في مقام محاماةٍ ودفاع لكنني أرجو أن أكون منصفة لهذا الحب ، الذي عاث به أكثر الناس ، و أخذ يكتب من يكتب باسم الحب دون أن يكترث هل هو مصيب أم مخطىء ! هل هو منصف أم مجحف .. فالحب في نظرهم حق مباح للجميع يكتبه كيف يراه و كيف يبدو له .. و لستُ أُبرىء نفسي و إن النفس لتتوه كثيراً عند مفترق طرق الحياة الحتمية و إن الحقائق لتختفي في ضباب الأفق لوهلات ولكنها حتماً تبين ، و هاقد بانت في عيني أولى الحقائق عن ماهية هذا الحب ، الحب الذي قد جعله الله سبباً في أن يُظل أهله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ! 

إنّ للحبِ أصلٌ ثابت في لُب القلب .. هو " حُب الله " ، هذا الأصل متأصل في جذور القلب ، لا يزلزله شيء ، لا يقتلعه شيء ، إنه ثابت ، بل قائمٌ به القلب ، إنه حين يكون كذلك في قلب المؤمن تنتشر الفروع المباركة في صدره و في روحه حتى تملأ جوفه نوراً و بركة ثم تتفرع إلى النظرة  للحياة و التعامل مع معطياتها فيرى الحياة بنظرة حسنة لا يشوبها بشاعة الظنون ولا تشاؤم النفوس !! يتعاطى مع الحياة بإيمان و بثقة أن الله لا يضيع أجره ، لا يضيع عمله ، يثق أن حبيبه لا يريد به إلا كل خير مهما كان ظاهر الأمر فإن الباطن كله خير !!  ، يتوكل على ربه كل صباح ثم ينطلق في الأرض عملاً و إصلاحاً ، متسلحاً بتوكله على ربه و متأنساً بذكر حبيبه تبارك و تعالى ، إنه مؤمن مُحب .

ثم تتفرع تلك الفروع إلى الظاهر من الأقوال و الأفعال ، فيكون قوله كله حسن ، و فعله كله حسن ، يعكسان إيمانه القوي و حبه الصادق و نظرته المحبة إلى الله و إلى الحياة ، إنه حين يخطىء ذلك المحب يهرع إلى حبيبه بقلبٍ وجلان و دمعٍ منهمر ، يتبتّلُ إليه و يناجيه ، يستغفره و يشكو إليه ، إنه لا يتأخر في ذلك و لا يمل منه ، إنه مؤمن مُحب أوّاب .

و بعد أن تغطي هذه الفروع جوانب حياة المؤمن المحب الصادق تصعد إلى السماء فتكون مجرى وقود و طاقة يسقي الفروع و يروي الجذور .. 
هذا الأصل الثابت و فروعه المنتشرة في كل جانب حين 
يغذيها حب الله -على بيّنة- يكون للحب معدنٌ سماوي فيسعد به من عرفه و جربّه ، و يشقى به من جهله و تجاهله !! 
حب الله ليس كلاماً يردد ، بل فعلاً يُمارس و طعماً يُذاق و أُنساً لا ينتهي .. 

حين نعرف الله حق المعرفة نكون قد تكون بداخلنا أصل الحب الثابت ، و حين نسعى إلى الله قلباً و قالباً و روحاً و عقلاً يتجلى الحب السماوي بفروعه المباركة في أسمى و أطهر صورة ..

الحب السماوي يجعل القلب رقيقاً و القول ليناً و الفعل حسناً ، ينعكس على علاقاتنا و على تعاملاتنا و على سَكَناتِنا و همساتنا .. يبين في أدق الأشياء ، يجعل من كل الأشياء تبدو بصورة بِلّورية فيها من السماحة و الحب و التصالح ما يطيب به العيش و تسمو به الروح ..

لم أُفصّل في وهم الحب ، لأنه وهم ، و الوهم يبينُ بضده الحقيقة ، و الحقيقة لا تأتي على طبقٍ من ذهب بل يُسعى إليها ، لذا اسعوا إلى معرفة الله كما يجب و تطبيق الحب كما يجب ثم انظروا كيف تتسلسل التغيرات في قلوبكم و أرواحكم و حياتكم كلها ... 

نجوى محمد
مايو 2016

الأحد، 3 مايو 2015

ذاتَ صباح ..! "قصّة"


اسمي "كاترين كريستيان"  أعيشُ في مدينة "بارما" في "إيطاليا" أبلغُ من العمر ستين سنة , غير متزوجة .

كنتُ أعيشُ في مدينة "بلمونت" مع والديّ لكنني تركتُ هذه المدينة بعدما غيب الموت والديّ , انتقلتُ إلى مدينة "بارما" في التاسعة عشر من عمري ,أكملتُ تعليمي في مجال التنمية وخدمة المجتمع بعد أن عرضتُ بيت والديّ لأحد تجار "بلمونت" واشتراه بثمنٍ مُرضٍ أمنتُ من خلاله مسكني وتعليمي.

"في ذلك الوقت لم يكن أمام ناظري سوى أن أحصل على شهادة التخرج.!!"  

بعد مضي ست سنوات أنهيتُ فيها دراستي وقد بلغت السادسة والعشرين من عمري , عرض علي أستاذي "السيد بيل سايكس" أن أعمل في دارٍ للمسنين يمتلكه صاحبه "السيد توبي تراكيت" وبمرتبٍ يؤمن لي عيشي , قبلتُ على الفور عرض أستاذي فقد كنتُ بحاجةٍ ماسة إلى ما يقوي وضعي المادي.

عملتُ في دار المسنين في السادسة والعشرين من عمري ومن هناك تغيرت حياتي كليّاً..!!

  




<<.. أجلس الآن في حديقة قصري.. أحتسي قهوتي المفضلة وسأكمل لكم قصتي المليئة بالأحداث العجيبة..!!!



بعد أن بلغتُ الثلاثين من عمري وقد عملتُ في دار المسنين أربع سنوات تعلمتُ فيها الكثير عن طبيعة عملي , تقربت إلى المسنين كثيراً , كنتُ أحاول دائماً أن أكون لهم الابنة البارة و أن أعتبرهم عائلتي الجديدة فأنا أقضي أغلب يومي في الجلوس معهم وتفقد أحوالهم والعناية بمواقيت أدويتهم وطعامهم ونومهم.
و ما أن ينام الجميع أعودُ إلى منزلي وفي الصباح الباكر أعود لأمارس نشاطي في بيتي الثاني.

في يومٍ شديدُ البرودة , استيقظتُ على صوت المنبه في الساعة السابعة صباحاً.
 لم أستطع الاستيقاظ فالجو بارد جداً. ولكن حبي لعائلتي الجديدة وشوقي الدائم للقائهم يقويني دائماً ويدفعني إلى أن أتحدى كل الظروف فقط من أجل أن أبقى معهم.
 
استيقظت, وارتديتُ ملابسي الثقيلة ,ومعطفي الأحمر , أمسكتُ بحقيبتي البيضاء , وانطلقتُ يدفع خطاي حبي لعملي وتمسكي به.

بينما أنا في الطريق و في الأجواء الباردة , والرياح العاتية كنتُ أتأمل كل ما حولي , أصواتُ الناس , صريرُ الرياح , أوراق الشجر المتطايرة , و سكك "بارما" بقطع الثلج المتجمعة.

فكل شيء يذكرني بذكرياتٍ كثيرة جداً !!

حينها قطع حبل أفكاري صراخ المارة وتوقفٌ مفاجئ لإحدى السيارات أمام طفلةٍ متبسمة تتلمسُ إنارةَ السيارة التي كادت أن تدهسها !!

ذهبت مسرعة إليها , أمسكها لكنها تتفلتُ من بين يديّ !! حاولتُ الإمساك بها مرة أخرى والخوف والقلق ينتابني في وسط ضوضاء السيارات وأصوات الزوامير إلى أن استطعت الإمساك بها وإبعادها عن طريق السيارات !

حملتها بين أحضاني , ضممتها إلى صدري , خلتُ أنها خائفة فكنتُ أحاول طمئنتها ,  لكن ما دهشني أنها لم تكن خائفةً أبداً , ولم يرعبها منظر وأصوات السيارات المتزاحمة , نظرتُ حولي لأرى ما إذا كان والداها بالقرب من المكان , لم أجد من يهتم لها فالكل يمشي في طريقه!

خفتُ كثيراً أن أترك الطفلة فقررتُ أن أجلس على مقعدٍ في الحديقة المجاورة لهذا المكان علّي أجدُ من يبحث عن طفلته..!!
 

جلست وتركتها تلعب .. كانت تدهشني تصرفات هذه الطفلة كثيراً , فهي منعزلة عن الجميع تتأمل لعبة وجدتها ملقاة بالقرب منها !

 كانت هادئة جدا , لم تخف ولم تفتقد من كان بصحبتها أبداً .. اقتربتُ منها , حاولت أن أتكلم معها , ولكن ما رأيته من تصرفات جعلني أشعر و كأنها طفلة توحدية تعيش عالماً غير عالمنا .,,

أحسست بألمٍ لحالها , انظر إليها و عيناي غارقتان بالدموع , فكأني هيَ عندما تركني والداي , ورحلا عن هذه الدنيا .!!

كأني هيَ بانعزالي عن عالمي الجميل.!! وكأني هيَ ببرائتها , ووحدتها.!! أغلقتُ جفنيّ على دموعٍ منهمرة , تنهدتُ بألم , مسحتُ دموعي , ونظرتُ إلى ساعتي فعقاربها تشير إلى التاسعة صباحاً. 

مرّت ساعة كاملة ولم يفتقدها أحد.! اشتدت الرياح وتساقط الثلج بكثرة .. لم يكن أمامي إلا أن آخذ الطفلة وأعود إلى منزلي بسرعة.

دخلتُ المنزل أحملُ الطفلة, و ألفُ فكرةٍ , و فكرة تجوب رأسي.

 استوقف تلك الأفكار صوت رنين هاتفي فإذا هي مشرفة الدار تطمئن عليّ , فاعتذرت لها عن عدم الحضور اليوم لظرفٍ طارئ..!!

لحظات صمت يملؤها البرد, وهدوء الطفلة التي لم تستنكر أي شيء يدور حولها .

 نظرت إليها بابتسامة , ثم أشعلت الموقد, وأعددت الحليب الدافئ للصغيرة , أمضينا قرابة الثلاث ساعات في المنزل إلى أن هدأت الرياح, وتوقف تساقط الثلوج , حملتُ الصغيرة وذهبنا إلى المكان الذي وجدتها فيه , خرجنا ولم أكن أتخيل إلا منظر والدة الطفلة تبحث عنها بدموعها , ووالدها يهدئ من روعها.!

فما إن وصلنا المكان , كذب الهدوء الجاثم عليه كل ظنوني , فلا يوجد أي عابرٍ ولا سائل.! شعرت بشيء ثقيل خيم على صدري فماذا أفعل الآن.؟؟!

هل أذهب إلى مركز الشرطة !؟ لكن ثمت شيء بداخلي يرفض الفكرة!!
هل..!؟ وهل..!؟ كثرت الأفكار , وازدادت الحيرة..

قررتُ أخيراً الذهاب إلى منزلي لأستعيد هدوئي, وأفكر بمنطقيةٍ أكثر.

ما إن وصلت إلى المنزل قمتُ بإعداد شيء من الطعام تناولنا الطعام سوياً في حين أني وجدتُ أفضل الحلول أن ألتقطَ صوراً للطفلة , وأنشرها بوسائل الإعلام..!


تناولت آلة التصوير, و أخذتُ ألتقط لها بعض الصور , ثم وضعتُ الطفلة على السرير لتنام ..
تأملتها, وتأملتُ وجهها البريء, وجسدها الممد الصغير, وسلسلتها الجميلة المصنوعة من الذهب التي يتوسطها قرصٌ ذهبي مدور.

فكل شيء فيها يشعرني بقربها إلى قلبي.!! 

 

 


تركتها وذهبتُ إلى غرفتي , وبداخلي صوت يصرخ,ويقول:"لا تضيعي فرصة أن تكوني أم ,أو أخت, أو حتى أن يكون لكِ جزء آخر قريبٌ منكِ دائماً.!!"

حاولتُ أن أتجاهل كل هذه الأفكار , ولكنها كانت تخاطب قلبي وتقنعني ,وتزرع فيني تعلقاً أكثر بهذه الطفلة ..

تمددتُ على سريري, أغمضتُ عينيّ حاولتُ أن أنام , ولكن أخذ يزداد ذلك الصوت بداخلي وعقلي حائر ,

فماذا سأصنع الآن !!؟وكيف أقرر!؟ وكيف سيكون حالي بوجودها في حياتي؟ أو كيف سيكون حالها إذا تخليتُ عنها!؟ نهضت من مكاني , أخذتُ الصور التي وضعتها على الطاولة , توجهتُ إلى خزانتي و وضعت الصور بين أوراقي المهمة أغلقت الخزانة, وأنهيت أمر تلك الطفلة , فلن أنشر الصور, ولن أفرط بهذه الطفلة المسكينة !!..

"قررتُ أن أتبنّاها , وأن تصبح جزءاً مني في كل شيء!!""

في اليوم التالي أخذتُ الطفلة وذهبتُ إلى عملي شرحتُ لمشرفتي القصة , حاولتْ أن تقنعني بحلٍ آخر ولكنني أثبتُ لها خوفي على الطفلة من الضياع , وهي بهذا الوضع الصعب .. تفهمتْ المشرفة موقفي, وساعدتني بإجراءات تبني الطفلة..

فالطفلة من الآن وصاعداً , هي "جين كريستيان" البالغة من العمر خمس سنين جزئي الثاني.!!

اهتممتُ بها كثيراً , وعرضتها على الطبيب لأتأكد من سلامة صحتها , ولكن بعد الفحوصات التي أجراها الطبيب وبعد التشخيص, أكد لي أن "جين" توحدية.!!
آلمني جداً ما أكده لي الطبيب, ولكن لن أستسلم , وسأساعدها لتعيش حياتها بسهولة.

وجّه لي الطبيب بعض النصائح , وأرشدني إلى مدرسة خاصة لمثل هذه الحالات. ألحقتها بهذه المدرسة, وقدمت لها كل ما تحتاجه,,.

في بعض الأوقات كنتُ أصطحبها معي إلى العمل, وقد حضرت لها المكان المناسب , وما إن انتهي نعود سوياً إلى منزلنا,,.


مرت عشر سنوات , والسعادة تغمرني بوجود "جين" في حياتي, مرت عشر سنوات ,وقد كبرت "جين" بروعة روحها, و جمال وجودها وقد كبرتُ أنا أيضاً.!

في تلك السنة التي تبلغ فيها "جين" الخامسة عشر من عمرها –في تقديري- وكما هو مكتوب في هويتها الشخصية , تعرضت "جين" لوعكة صحية احتاجت إلى من يرعاها في المنزل , فاضطررتُ إلى إحضار ممرضة ترعاها في وقت انشغالي بعملي.

كنتُ أشعر بالوحدة بدون "جين" ومع ذلك فإن أمر تلك العجوز التي أتت إلى الدار كان يزاحم افتقادي لـ"جين" خلال عملي , فقد كانت دائمة التفكير, لا تكلم أحداً , ولا تخالط المسنين حولها, و لا تفارق الدموع خدها..

حاولت أن أفهم منها سبب كل هذه الآلام , والانعزال عن الجميع !

 أخبرتني أن زوجة ابنها ,و أم حفيدتها الوحيدة توفيت فقد كانت هذه العجوز تعيش معهم في منزل واحد.!

قالت:" كان ابني رجلاً ثرياً ماتت زوجته , وتركت له طفلة أحببتها جداً , فأنا بمثابة الأم لها , "فاشيريا لورد" شريكة ابني في عمله وصديقته التي كانت تفكر دائماً في أن تملك ابني وترث أملاكه فهي من أعدّت لحفيدتي الصغيرة مآمرة منذ عشر سنوات لإبعادها عن ابني , واليوم أبعدتني عنه بعد أن تزوجته وأصبحت تتسبب في الكثير من المشاكل بيني وبينه , كانت تختلق المشاكل , وفي كل مرة تقّمصني دور الظالم المخطئ , حتى غيّرت نظرت ابني لي حينها قررت اللجوء لهذه الدار لأكمل ما تبقى من عمري في هدوء و راحة بعيداً عن المشاكل.

ـ كانت تتحدث بألم, والقلق ينتابني لحديث هذه العجوز!!

ـ ,ضممتها وقلت لها "بكل عطف" : لا تحزني وحتماً سيأتي اليوم الذي تعود فيه المياه إلى مجاريها..!!

ابتسمت العجوز, وشكرتني. 

عدتُ إلى منزلي بسرعة , ما إن وصلت وجدتُ "جين" نائمة .. جلستُ على الأريكة هدأتُ نفسي , وحاولت أن لا ألقي بالاً لتلك الشكوك , والأفكار الواهمة.!

لكن لم تفارقني هذه الأفكار , قررت أن أذهب إلى مشرفتي "السيدة ميرا" التي تعرف قصتي مع "جين". انطلقتُ مسرعة إليها في منزلها.
أخبرتها بحديث تلك العجوز , ونقلت لها شعور العجوز المؤلم, وما يختلج نفسي من قلق وتوتر من أن تكون "جين" هي حفيدتها.!!

كنت أبكي بقوة وبألم , هدأتني وقالت لي:" قبل عشر سنوات وجدتي هذه الطفلة في الطريق , كان خوفكِ عليها هو الدافع لأن تبعديها عن الطريق, وتعيديها إلى أهلها , حاولتِ البحث عنهم , ولكن دون جدوى , قررتِ أن تتبني هذه الطفلة , أتيتِ إليّ وأخبرتني , حاولتْ أن أقنعك بحلول أخرى لكن كان خوفك عليها ومشاعر الأمومة التي تحركت بداخلك دافعاً أن تتبني هذه الطفلة.لكنك اليوم وبعد مرور عشر سنوات, وبعد أن أحببتها وأ صبحت جزءاً لا يتجزأ منكِ صادفتِ عجوزاً قد تكون من عائلة "جين".! ما أعنيه يا عزيزتي أنكِ في بداية الأمر كنتِ تريدين عودة "جين إلى أهلها , وها أنتِ اليوم يظهر لكِ بصيص أمل لعودتها لأهلها.!! لا تجعلي مشاعرك تطغى على عقلك , حكمي عقلك وفكري بوضع "جين"..!!
 
"جين " بحاجة إلى عائلة تحيط بها و تحميها وأنتِ لستِ عائلتها الحقيقية. إذا كنتِ فعلاً تحبينها فلا تحرميها من أهلها حتى وأن كانت لا تشعر بذلك أو أنها لا تعي به.
فكري بتلك العجوز التي تستطيعين أن تعيدي الفرحة والبسمة إلى قلبها, و فكري أيضاً بأبيها فهو بحاجة إلى أن يتخلص من ألاعيب زوجته الشريرة ,إن كانوا حقاً عائلتها..!! فكري بكل هذا و أنا متأكدة بأنكِ ستختارين القرار المناسب.!!!"

ـ "و أنا كيف سأكون بعدها!؟ من سيفكر بي!!؟"

ـ "كاترين" حتى وإن عشتِ مع "جين" التي تبنيتها سيظل هاجس عائلتها يعايشكِ دائماً ,
اقطعي الشك باليقين  وأعرضي الصور للمرأة العجوز!!"


<..كان هذا آخر ما قالته لي "السيدة ميرا". عدتُ إلى منزلي و كلماتها تتردد على مسمعي .. حاولت اقصاء مشاعري والتفكير بعقلانية , فعزمتُ على أن أذهب إلى العجوز وأحكي لها كل شيء !!


وفي الصباح الباكر خرجت كعادتي إلى عملي , قابلتُ العجوز وشرحتُ لها تفاصيل الحادثة وقصتي مع "جين" التي تبنيتها.!

صُدمتْ العجوز , بل لا تكاد تصدق ما تسمع !!

 أخبرتها أني لستُ متأكدة من أن تكون "جين" هي حفيدتها , لذا ذهبتُ بها إلى منزلي لأريها الصور التي التقطتها لـ"جين" في ذلك الوقت.

عندما رأت الصور انهارت, وانهمرت دموعها بغزارة , فالطفلة التي أمامها في الصور هي حفيدتها "ليديا ماركس"..!!

بكتْ , وبكيتُ أنا أيضاً من قدرٍ جمعني صدفةً بفرحة , وأبعدني عنها بصدفةٍ أخرى..!!

لم تعِ "جين" لما يحدث فهي غارقة بعالمها..

من هنا ابتدأت المرحلة الجميلة من حياة "جين" حيث اكتمل نصفها الآخر بعائلتها الحقيقية.


عدنا سوياً إلى منزل والد "جين" الذي لم يصدق ما يرى , انهار باكياً نادماً أشد الندم على تفريطه بأسرته وأمه.

عاد الحق إلى أصحابه, وانكشفت كل أكاذيب "فاشيريا لورد" فخرجت من حياة "جين" والجدة إلى الأبد بعد أن انفصلت عن والد "جين", و عاد شمل الأسرة بعد تفككٍ دام عشر سنوات..!!

بعدها أصبحتُ الصديقة الحميمة إلى أسرة "جين" , وأصبحتْ هيَ ملجئي كل يوم بعد أن أنهي عملي في الدار.

 وبعد مضي قرابة ثلاث سنوات , توفيت الجدة عن عمرٍ يناهز سبعين عاماً , تاركةً ثروة طائلة, أوصتْ بنصفها لـ"جين" , والنصف الآخر لي.!
صُدمتُ كثيراً بالتركة , فالمبلغ طائل, لكني شعرتُ بأنها توحي إلي أن هذه مكافئة لي على عنايتي بـ"جين" أو بـ"ليديا ماركس"
ـ كما يجب أن أقول ـ !! 

لم أكن أفكر يوماً , أو حتى أحلم بأن أمتلك قصراً كقصري هذا , أو أن أركب سيارة كسيارتي , أو أن أعيش حياة مرفهة كحياتي الآن , فاليوم أنا "كاترين" صاحبة أكبر مركز لرعاية التوحديين في المنطقة ..


 

-انتهى-

نجوى محمد
مايو 2015